-->
القرآن الكريم القرآن الكريم
أهداف سور القرآن الكريم

آخر الأخبار

أهداف سور القرآن الكريم
أهداف سور القرآن الكريم
جاري التحميل ...
أهداف سور القرآن الكريم

{ وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِياًّ مِّنَ الصَّالِحِينَ }





قال تعالي : { وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِياًّ مِّنَ الصَّالِحِينَ } ( الصافات:112 ) ..


نركز هنا على ومضة الإعجاز العلمي والتربوي والتاريخي في استعراض القرآن الكريم لجانب من سيرة نبي الله إسحاق بن إبراهيم ـ عليهما السلام ـ


الذي لم يدوِّن المؤرخون شيئا عنه, ولم تذكر كتب الأولين إلا حديثا مشوها عن سيرته, ومن ذلك: الادعاء الباطل بأنه هو الذبيح وليس أخوه إسماعيل ـ عليهما السلام ـ والادعاء بأن الملائكة الذين زاروا نبي الله إبراهيم وأخبروه بهلاك قوم لوط أكلوا مما قدمه لهم نبي الله إبراهيم ـ عليه السلام ـ والملائكة لا يأكلون الطعام, وهذا مما لا يليق بمقام نبي من أنبياء الله!

هذا وقد جاء ذكر إسحاق ـ عليه السلام ـ سبعة عشر (17) مرة في القرآن الكريم, كانت كل إشارة منها درسا للمؤمنين بالله من أمة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكان من أبلغ تلك الدروس: البشري بولادة إسحاق ـ عليه السلام ـ من أبوين قد بلغ منهما الكبر مبلغه بمعجزة يسجلها القرآن الكريم, حتى لا يقنط عبد من عباد الله من رحمة ربه إذا كان قد حرم الذرية في مقتبل حياته.

من أوجه الإعجاز العلمي والتربوي والتاريخي في النص القرآني الكريم:
======================================

يقول ربنا ـ تبارك اسمه ـ في محكم كتابه عن عبده ونبيه إبراهيم ـ عليه السلام ـ بعد ابتلائه بالأمر بذبح وحيده إسماعيل, وانصياعه وولده لأمر الله ما نصه:

﴿وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ * سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المُؤْمِنِينَ * وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِياًّ مِّنَ الصَّالِحِينَ * وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ﴾ [ الصافات:108 ـ113].

فبعد أن استجاب الله ـ تعالى ـ لدعاء عبده ونبيه إبراهيم ـ عليه السلام ـ الذي قال فيه:

﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ) [ الصافات:100],
قال ـ تعالى ـ: ﴿فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ﴾ [الصافات:101],

وكان الغلام الحليم هو إسماعيل عليه السلام ـ الذي ملأ على أبيه حياته كلها بعد أن هاجر بدينه عن أهله, وقارب التسعين من عمره, ولنا أن نتصور فرحة هذا الشيخ الوحيد الغريب عن أرضه, الطاعن في العمر بمولوده الذي يصفه ربه بأنه حليم, وما كاد نبي الله إبراهيم أن يأنس بوحيده هذا حتى يُبتلى بالأمر الإلهي بإبعاده وأمه عنه, وإسكانهما بواد غير ذي زرع عند قواعد البيت الحرام, وما كاد الغلام ينمو, ويتفتح صباه حتى يؤمر أبوه في المنام بذبحه, ورؤيا الأنبياء حق, ويعرض الوالد الأمر على ابنه الوحيد فيقبل قضاء الله على الفور بالرضى والتسليم والصبر, ويشرعان في تنفيذ أمر الله ـ تعالى ـ الذي فداه بذبح عظيم.
وتقديرا لهذا الموقف الفريد الذي جسد حقيقة الإيمان بالله ـ تعالى ـ والرضى بقضائه, والتسليم لمحكم أمره, كرم الله ـ تعالى شأنه ـ كلا من عبده إبراهيم وولده إسماعيل تكريما فائقا فجعلهما مذكورين على مر الزمان بالذكر الحسن, وترك لهما الثناء على ألسنة المؤمنين من خلقه إلى يوم الدين.

ثم يتجلى فضل الله ـ تعالى ـ على عبده إبراهيم مرة أخرى, فيهب له ابنا آخر في شيخوخته هو الابن الثاني لإبراهيم والذي سماه باسم إسحاق, وبارك الله ـ جلت قدرته ـ على كل من إبراهيم وإسحاق وعلى الصالحين من ذريتهما قائلا:

﴿وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِياًّ مِّنَ الصَّالِحِينَ * وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ﴾ [ الصافات:112 ـ113].

وهذه الوراثة ليست وراثة الدم والنسب فحسب كما يدعي كثير من المبطلين, إنما هي ـ قبل كل شيء ـ وراثة الدين الحق (عقيدة, وعبادة, وأخلاقا, ومعاملات) فمن التزم بهذا الدين الحق فهو محسن, ومن انحرف عنه فهو ظالم لنفسه لا ينفعه نسب, ولا تشفع له قرابة,

ومن الدروس التربوية المستفادة من ميلاد إسحاق لأب شيخ طاعن في السن وأم عجوز عقيم ما يلي:
====================================

1ـ الإيمان بأن الدنيا هي دار ابتلاء, وأن النجاح في الابتلاءات الدنيوية هو الطريق الموصل إلى جنة الخلد بإذن الله, وأن كل ابتلاء يقود إلى فرج إذا تحمله العبد بشيء من الرضى, والصبر, والتسليم بقضاء الله وقدره, مع القناعة التامة بأنه الخير كل الخير, وأن جزاء الصبر على الابتلاء عظيم في الدنيا قبل الآخرة

ولذلك قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل, ويبتلى المرء على قدر دينه, فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه, وإن كان في دينه لين خفف عنه البلاء".

2ـ الإيمان بأن الذرية من الرزق, وأن الرزق من الله ـ تعالى ـ وحده القائل:..

﴿يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ﴾ [ الشورى :50,49].

والقائل: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ﴾
[ آل عمران:6].

والقائل: ﴿اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ﴾ [الرعد : 8 ].

وفي ذلك يقول المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله ملكا فصورها, وخلق سمعها وبصرها, وجلدها ولحمها وعظامها, ثم قال: يا رب! ذكر أو أنثي؟ فيقضي ربك ما يشاء ويكتب الملك".[ صحيح مسلم].

فالذي يخلق النطف هو الله, والذي يزاوج بينها في الأرحام هو الله, والذي يحدد جنس الجنين ويرعاه في جميع مراحله هو الله الذي وصف ذاته العلية بوصف الخالق البارئ المصور.

3 ـ الإيمان الجازم بأن الله ـ تعالى ـ على كل شيء قدير: لذلك جاء ميلاد إسحاق ـ عليه السلام ـ حدثا خارقا للعادة, بشرت به الملائكة كما جاء في قول ربنا ـ تبارك وتعالى ـ موجها الخطاب إلى خاتم أنبيائه ورسله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالنص القرآني التالي:

﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ المُكْرَمِينَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلاَماً قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ * فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ * فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلاَ تَأْكُلُونَ * فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لاَ تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ * فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ * قَالُوا كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الحَكِيمُ العَلِيمُ﴾ . [الذاريات:24 ـ30].

وقوله ـ تعالى ـ على لسان إبراهيم ـ عليه السلام ـ:﴿الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ * رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ * رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الحِسَابُ﴾ [ إبراهيم :39 ـ41].

والإعجاز العلمي هنا يتلخص ..
===================
في ميلاد طفل من أب شيخ كبير ومن أم عجوز عاشت طيلة حياتها عاقرا, مما يؤكد أن الخلق عمل إلهي محض, لا دخل لمخلوق فيه, وهو ما أكدته كل المشاهدات العلمية الراشدة.

ويتمثل الإعجاز التربوي ..
================
بضرورة ترويض النفس الإنسانية على قبول قضاء الله وقدره بنفس راضية وقناعة كأملة بأن في ذلك الخير كل الخير, حتى وإن بدا في ظاهره غير ذلك, وتعويد تلك النفس الإنسانية على التوجه بالدعاء إلى الله ـ تعالى ـ فالدعاء هو مخ العبادة, لأنه يجسد مقام عبودية العبد لخالقه ـ سبحانه وتعالى ـ أبلغ تجسيد.

أما الإعجاز التاريخي ..
==============
فيتمثل في سرد معجزة ميلاد نبي الله إسحاق ـ عليه السلام ـ بهذا التفصيل الدقيق الذي لم يخالطه خلل واحد في جميع جزئياته, خاصة إذا علمنا أن نبي الله إسحاق قد عاش في الألفية الثانية قبل الميلاد.

والقرآن الكريم لم يُفَصِّل قصة هذا النبي الصالح كما فَصَّل غيرها من قصص الأنبياء, على الرغم من ورود اسمه سبعة عشر مرة في كتاب الله, وكان المقصود من ذلك هو الدرس المستفاد من معجزة ميلاده من أبوين كانا قد جاوزا القدرة على الإنجاب, إثباتا لقدرة الله المطلقة التي لا تحدها حدود ولا يقف أمامها عائق, والتي وصفها الحق ـ تبارك وتعالى ـ بقوله العزيز:

﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ * فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [ يس:83,82].

والإيمان بطلاقه القدرة الإلهية ركن من أركان الإيمان بالله.، ولا يقلل من هذه المعجزة التاريخية القديمة وجود شيء من التوافق بين ما جاء عنها في كتاب الله, وفي بعض كتب الأولين, لأن ذلك يدعم صدقها التاريخي, ويكفي للدلالة على ذلك أن القرآن الكريم يؤكد أن الابن الذي أمر نبي الله إبراهيم بذبحه هو إسماعيل ـ عليه السلام ـ وقد كان ولده الوحيد الذي وهبه الله ـ تعالى ـ إياه على الكبر بعد أن كان قارب التسعين من العمر, وهو في غربته, بعيدا عن أهله وقرابته وقومه, وقد رزقه بعد إلحاح الدعاء على الله ـ تعالى ـ قائلا:

﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [ الصافات:100],

وبعد طول انتظار استجاب الله دعاءه, ورزقه غلاما صالحا حليما, ثم ابتلاه الله ـ سبحانه ـ بالأمر بإبعاد الغلام وأمه عنه ففعل, وبعد أن بلغ هذا الغلام الصالح مرحلة الصبا, وبدأ يقف بجوار أبيه أُمِر إبراهيم بذبح وحيده, وعلى الفور يشاور إبراهيم وحيده في أمر الله, فيطيع الغلام ويصبر لحكم الله, ويلبي الأب مستجيبا لأمر ربه في قبول ورضى تامين, على صعوبة الأمر على قلب كل منهما, وقد فعلا ذلك طاعة لله واستسلاما لأمره, مما يجسد تلك العبادة أبلغ تجسيد, وهي من ركائز الإسلام العظيم.

وجزاء على هذا الموقف النبيل أثنى الله ـ سبحانه وتعالى ـ على كل من إبراهيم وولده إسماعيل أفضل الثناء, وأكرمهما أعظم الكرم وذلك بالمباركة عليهما وعلى ذريتهما بجعل ختام النبوة في ذرية إسماعيل ـ عليه السلام ـ ثم بشر إبراهيم بابن آخر هو إسحاق, وإبراهيم في عمر لا يسمح له بذلك وزوجه عجوز عقيم, وبارك الله ـ تعالى ـ عليه وعلى إسحاق, ويأتي ميلاد إسحاق وإسماعيل فتى يافع, قد قارب الرابعة عشرة من العمر, وعلى ذلك فلا يمكن أن يكون الابن الذي أمر إبراهيم بذبحه هو إسحاق, حيث يؤكد القرآن الكريم على أن الذبيح كان إسماعيل وهو ما يدعمه المنطق ويؤكده الدليل:

﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً﴾ [ النساء:122].

فالحمد لله على نعمة الإسلام, والحمد لله على نعمة القرآن, والحمد لله على بعثة خير الأنام ـ صلى الله عليه وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلى يوم الدين ـ وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

عن الكاتب

Qurankariim

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

القرآن الكريم